فصل: تفسير الآية رقم (176):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (175):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [175].
{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ} أي: قول الشيطان: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ} أي: يخوفكم بقوله، أولياءه الكفار، وحينئذ فأولياءَه ثاني مفعولي {يخوف}، والأول محذوف، أي: يخوفكم أولياءه، كما قرئ كذلك، وقيل: لا حذف فيه، والمعنى يخوف من يتبعه، فأما من توكل على الله فلا يخافه: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ} أي: أولياءه: {وَخَافُونِ} في مخالفة أمري ورسولي: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف غيره.

.تفسير الآية رقم (176):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [176].
{وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} أي: لا تهتم ولا تبال بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومضرة أهله. وقرئ في السبع: {يُحْزِنك} بضم الياء وكسر الزاي: {إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً} قال عطاء: يريد أولياء الله. نقله الرازي. قال أبو السعود: تعليل للنهي، وتكميل للتسلية بتحقيق نفي ضررهم أبداً، أي: لن يضروا بذلك أولياء الله البتة. وتعليق نفي الضرر به تعالى لتشريفهم والإيذان بأن مضارتهم بمنزلة مضارته سبحانه، وفيه مزيد مبالغة في التسلية.
وقال المهايمي: أي: لن يضروا أولياء الله، لأنهم يحميهم الله، فلو أضروهم لأضروا الله بتعجزيهم إياه عن حمايتهم، ولا يمكنهم أن يعجزوه شيئاً بل: {يُرِيدُ اللّهُ} أن يضرهم الضرر الكلي وهو: {أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ} أي: نصيباً من الثواب في الآخرة: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قال المفسرين: ثمرة هذه الآية أنه لا يجب الاغتمام من معصية العاصين.

.تفسير الآية رقم (177):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [177].
{إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ} أي: استبدلوا: {الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً} فيه تعريض ظاهر باقتصار الضرر عليهم، كأنه قيل: وإنما يضرون أنفسهم. فإن جعل الموصول عبارة عن المسارعين المعهودين بأن يراد باشتراء الكفر بالإيمان إيثاره عليه، إما بأخذه بدلاً من الإيمان الحاصل بالفعل، كما هو حال المرتدين أو بالقوة القريبة منه الحاصلة بمشاهدة دلائله في التوراة، كما هو شأن اليهود ومنافقيهم. فالتكرير لتقرير الحكم وتأكيده، ببيان علته، بتغيير عنوان الموضوع، فإن ما ذكر في حيز الصلة من الاشتراء المذكور صريح في لحوق ضرره بأنفسهم، وعدم تعديه إلى غيرهم أصلاً، كيف وهو علم في الخسران الكلي، والحرمان الأبدي، دال على كمال سخافة عقولهم، وركاكة آرائهم، فكيف يتأتى منهم ما يتوقف على قوة الحزم، ورزانة الرأي، ورصانة التدبير، من مضارة حزب الله تعالى، وهي أعز من الأبلق الفرد، وأمنع من عقاب الجو، وإن أجرى الموصول على عمومه بأن يراد بالاشتراء المذكور القدر المشترك الشامل للمعنيين المذكورين، ولأخذ الكفر بدلاً مما نزل منزلة نفس الإيمان من الاستعداد القريب له، الحاصل بمشاهدة الوحي الناطق، وملاحظة الدلائل المنصوبة في الآفاق والأنفس، كما هو دأب جميع الكفرة، فالجملة مقررة لمضمون ما قبلها تقريراً للقواعد الكلية، لما اندرج تحتها من جزئيات الأحكام- أفاده أبو السعود-. ثم قال: وقوله تعالى: {وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} جملة مبتدأة مبينة لكمال فظاعة عذابهم، بذكر غاية إيلامه، بعد ذكر نهاية عظمه، قيل: لما جرت العادة باغتباط المشتري بما اشتراه، وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة، وبتألمه عند كونها خاسرة، وصف عذابهم بالإيلام مراعاة لذلك. انتهى.

.تفسير الآية رقم (178):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [178].
{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} أي: بتطويل أعمارهم وإمهالهم وتخليتهم وشأنهم دهراً طويلاً: {خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ} بل هو سبب مزيد عذابهم، لأنه: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً} بكثرة المعاصي فيزدادوا عذاباً: {وَلَهْمُ} أي: في الآخرة: {عَذَابٌ مُّهِينٌ} ذو إهانة في أسفل دركات النار.
لطائف:
الأولى: في ما- من قوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} الأولى- وجهان: أن تكون مصدرية أو موصولة، حذف عائدها. أي: إملاؤنا لهم أو الذي نمليه لهم.
الثانية كان حق ما في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة، ولكنها وقعت في مصحف الإمام متصلة، فلا يخالف، وتتبع سنة الإمام في خط المصاحف.
الثالثة: ما الثانية في: {إِنَّمَا نُمْلِي} إلخ متصلة، لأنها كافّة.
الرابعة: في قوله تعالى: {مُّهِينٌ} سر لطيف، وهو أنه لما تضمن الإملاء التمتيع بطيبات الدنيا وزينتها، وذلك مما يستدعي التعزز والتجبر، وصف عذابهم بالإهانة، ليكون جزاؤهم جزاء وفاقاً.
ثم أشار سبحانه وتعالى إلى بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد، وهو أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب. فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر، وطار لهم الصيت، دخل معهم في الإسلام ظاهراً من ليس معهم فيه باطناً، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبّب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق، فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة، وتكلموا بما كانوا يكتمونه، وظهر مخبآتهم، وعاد تلويحهم صريحاً، وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساماً ظاهراً، وعرف المؤمنون أن لهم عدواً في نفس دورهم، وهم معهم لا يفارقونهم، فاستعدوا لهم، وتحرزوا منهم فقال تعالى:

.تفسير الآية رقم (179):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [179].
{مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ} أي: يترك: {الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} من الالتباس بالمنافقين، وبل لا يزال يبتليكم: {حَتَّىَ يَمِيزَ} المنافق: {الْخَبِيثَ مِنَ} المؤمن: {الطَّيِّبِ وَ} لا يميز إلا بهذا الابتلاء لأنه: {مَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} أي: الذي يميز به ما في قلوب الخلق من الإيمان والكفر: {وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء} باطلاعه على الغيب، كما أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما ظهر منهم من الأقوال والأفعال، حسبما حكى عنهم بعضه فيما سلف، فيفضحهم على رؤوس الأشهاد، ويخلصكم من سوء جوارهم.
قال ابن القيم: هذا استدراك لما نفاه من اطلاع خلقه على الغيب، كما قال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} [الجن: 26- 27] فحظكم أنتم وسعادتكم في الإيمان بالغيب الذي يطلع عليه رسله، فإن آمنتم به واتقتيم كان لكم أعظم الأجر والكرامة، في الإيمان بالغيب الذي يطلع عليه رسله، فإن آمنتم به واتقيتم كان لكم أعظم الأجر والكرامة، كما قال تعالى: {فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ} الذين اجتباهم للاقتداء بهم في الاعتقادات والأعمال: {وَإِن تُؤْمِنُواْ} فتصححوا الاعتقادات: {وَتَتَّقُواْ} فتصلحوا الأعمال: {فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} وههنا:
لطائف:
الأولى: في التعبير عن المؤمن والمنافق بالطيب والخبيث تسجيل على كل منهما، بما يليق به، وإشعار بعلة الحكم.
الثانية: إفراد الخبيث والطيب مع تعدد ما أريد بكل منهما وتكثره لاسيما بعد ذكر ما أريد بأحدهما، أعني: المؤمنين بصيغة الجمع، للإيذان بأن مدار إفراز أحد الفريقين من الآخر هو اتصافهما بوصفهما لا خصوصية ذاتهما وتعدد آحادهما، كما في مثل قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]، ونظيره قوله تعالى: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2]، حيث قصد الدلالة على الاتصاف بالوصف من غير تعرض لكون الموصوف من العقلاء أو غيرهم.
الثالثة: تعليق الميز بالخبيث المعبر به عن المنافق، مع أن المتبادر مما سبق من عدم ترك المؤمنين على الاختلاط تعليقه بهم وإفرازهم عن المنافقين، لما أن الميز الواقع بين الفريقين إنما هو بالتصرف في المنافقين وتغييرهم من حال إلى حال مغايرة للأولى، مع بقاء المؤمنين على ما كانوا عليه من أصل الإيمان، وإن ظهر مزيد إخلاصهم، لا بالتصرف فيهم، وتغييرهم، من حال إلى حال أخرى، مع بقاء المنافقين على ما هم عليه من الاستتار، ولأن فيه مزيد تأكيد للوعيد كما أشير إليه في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220].
الرابعة: إنما لم ينسب عدم الترك إليهم، لما أنه مشعر بالاعتناء بشأن من نسب إليه، فإن المتبادر منه عدم الترك على حالة غير ملائمة، كما يشهد به الذوق السليم.
الخامسة: التعرض للاجتباء في قوله: {يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ} إلخ للإيذان بأن الوقوف على أمثال تلك الأسرار الغيبية، لا يتأتى إلا ممن رشحه الله تعالى لمنصب جليل، تقاصرت عنه همم الأمم، واصطفاه على الجماهير لإرشادهم، وتعميم الاجتباء لسائر الرسل عليهم السلام للدلالة على أن شأنه عليه الصلاة والسلام في هذا الباب أمر متين، له أصل أصيل، جار على سنة الله تعالى المسلوكة فيما بين الرسل عليهم السلام.
السادسة: تعميم الأمر في يقوله تعالى: {فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ} مع أن سوق النظم الكريم للإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، لإيجاب الإيمان به بالطريق البرهاني، والإشعار بأن ذلك مستلزم للإيمان بالكل، لأنه مصدق لما بين يديه من الرسل، وهم شهداء بصحة نبوته صلى الله عليه وسلم، والمأمور به الإيمان بكل ما جاء به عليه الصلاة والسلام، فيدخل فيه تصديقه فيما أخبر به من أحوال المنافقين دخولاً أولياً.
هذا ما اقتبسناه من تفسير العلامة أبي السعود رحمه الله، وقد استقرب حمل هذه الآية الكريمة على أن تكون مسوقة لبيان الحكمة في إملائه تعالى للكفرة إثر بيان شريته لهم. فالمعنى: ما كان الله ليذر المخلصين على الاختلاط أبداً كما تركهم كذلك إلى الآن، لسر يقتضيه، بل يفرز عنهم المنافقين، ولذلك فعله يومئذ، حيث خلى الكفرة وشأنهم، فأبرز لهم صورة الغلبة، فأظهر من في قلوبهم مرض، ما فيها من الخبائث وافتضحوا على رؤوس الأشهاد.

.تفسير الآية رقم (180):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [180].
{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ} اعلم أنه تعالى لما بالغ في التحريض على بذل النفس في الجهاد في الآيات المتقدمة، شرع هاهنا في التحريض على بذل المال في سبل الله، وبيّن الوعيد الشديد لمن يبخل ببذله فيه وإيراد ما بخلوا به بعنوان: إيتاء الله تعالى إياه من فضله للمبالغة في بيان سوء صنيعهم، فإن ذلك من موجبات بذله في سبيله كما في قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] {بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} لاستجلاب العقاب عليهم، والتنصيص على شريته لهم، مع انفهامها من نفي خيريته، للمبالغة في ذلك، والتنوين للتفخيم: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} بيان لكيفية شرية مآل ما بخلوا به. وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا الوعيد على طريق التمثيل أي: سيلزمون وبال ما بخلوا به لزوم الطوق، وذهب آخرون إلى أنه على ظاهره، وأنه نوع من العذاب الأخروي المحسوس، وأيدوه بما روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه- يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك»، ثم تلا هذه الآية: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} إلى آخرها.
وروى الإمام أحمد والنسائي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثِّل الله عز وجل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، ثم يلزمه يطوِّقه يقول: أنا كنزك، أنا كنزك».
وروى الإمام أحمد والترمزي والنسائيَ وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع عبد زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه، يفر منه وهو يتبعه، فيقول: أنا كنزك». ثم قرأ عبد الله مصداقه في كتاب الله: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. قال الترمذي: حسن صحيح.
وروى الحافظ أبو يعلى عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك بعده كنزاً مثل له شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يتبعه. فيقول: من أنت ويلك؟ فيقول: أنا كنزك الذي خلفت بعدك، فلا يزال يتعبه حتى يلقمه يده فيقضمها، ثم يتبع سائر جسده»، قال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد قوي، ولم يخرجوه، وقد رواه الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي. ورواه ابن جرير والحافظ ابن مردويه عن حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يأتي رجل مولاه فيسأله من فضل مال عنده، فيمنعه إياه، إلا دُعي له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منع».
وروى ابن جرير مرفوعاً: «ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل جعله الله عنده، فيبخل به عليه، إلا أخرج له من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه». ورواه أيضاً موقوفاً ومرسلاً.
والشجاع كغراب وكتاب: الحية مطلقاً، أو الذكر منها، أو ضرب منها دقيق، وهو أجرؤها- كذا في القاموس وشرحه-.
ثم أشار تعالى إلى أنهم، وإن لم ينفقوا أموالهم في سبيله، فهي راجعة إليه بقوله: {وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} أي: ما يتوارثه أهلهما من مال وغيره، فما لهم يبخلون عليه بملكه، ولا ينفقونه في سبيله. ونظيره قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7]، فالميراث على هذا على حقيقته، أو المعنى: أنه يفني أهل السموات والأرض، ويصير أملاك أهلهما بعد فنائهم إلى خالص ملكه، كما يصير مال المورث ملك الوارث، فجرى ما هنا مجرى الوراثة، إذ كان الخلق يدعون الأملاك ظاهراً، وإلا فالكل له، وعلى هذا فهو مجاز.
قال الزجاج رحمه الله: أي: أن الله تعالى يفني أهلهما، فيفنيان بما فيهما، فليس لأحد فيهما ملك، فخوطبوا بما يعلمون، لأنهم يجعلون، ما يرجع إلى الْإِنْسَاْن ميراثاً، ملكاً له: {وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي: فيجازيكم على المنع والبخل.